الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في مهرجان كان: فيلم "تحت الكرموس" للمخرجة التونسية أريج السحيري: في الشباب والرغبة تحت ظلال التين

نشر في  26 ماي 2022  (10:01)

بقلم الناقد السينمائي طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان

تقبل جمهور قسم "أسبوعا المخرجين" المبرمج ضمن الدورة 75 لمهرجان كان السينمائي، فيلم "تحت الكرموس" للمخرجة التونسية أريج السحيري بحفاوة لافتة وكان محقا في ذلك. أول عمل روائي للمخرجة التي عرفها الجمهور التونسي بفيلمها الوثائقي "على السكة" (La voie normale)، شريط مشرف جدا. وجود "تحت الكرموس" في مهرجان "كان" يدّل على تميز السينما التونسية الشابة الذي لم يعد يخفى على أحد، ولكنه يؤكد كذلك موهبة أريج السحيري.

بالرغم من اختلاف العملين (الأول وثائقي يتناول مسألة اجتماعية مهنية محددة والثاني روائي يحكي العلاقات العاطفية بين شباب ريفي)، يمكننا تبيّن وحدة المقاربة السينمائية وتفرّدها. تماما كما جاء في شريطها الأول، هناك تواضع في "معالجة" المواضيع وبساطة لطيفة نادرة في المشهد السينمائي التونسي من حيث "القراءة" الفنيّة. قيمة المواضيع وثقلها الاجتماعي والثقافي لم يؤثرا سلبا على الرؤية السينمائية كما هو الشأن لدى العديد من زملائها السابقين وحتى المعاصرين.

أوّل ما يلفت النظر هو اختيار طبيعة الفضاء ونوعية النشاط في "تحت الكرموس". في منطقة من مناطق الشمال الغربي عدد من الشباب يشتغلون في جني التين. لم تكن نقطة الانطلاق نظريةً وإنما وثائقية ترتكز على شخصيات تعرفت عليها المخرجة أثناء كاستينغ قامت به من أجل عمل مغاير. العلاقة التي ربطتها بهؤلاء الشباب كانت أوّل ضمانة لصلابة التجربة وركيزتها الأساسية.

نادرا ما ينطلق سينمائيونا من الواقع الملموس لأنّ الواقع الملموس مخيف و"سخيف" قد لا يتناسب مع نبل "الفكرة" السينمائية أو "النية" الطيبة. لكن السخافة الحقيقية تكمن في العلوّ المزعوم للمسلّمات العقائدية.

هنا من الواضح، ومن الوهلة الأولى، نلتمس القيمة الأساسية للعمل في المادة الأولى المختارة، في المادّة البشرية. البقية تأتي من هنا. الكتابة الدرامية والحوارات وإدارة الممثلين واستعمال الضوء ومعالجة الفضاء إلخ... قرب الرواية من مادّتها الوثائقية رهان حقيقي في الفيلم واختيار شجاع. لأنّ الصعوبة تكمن في إيجاد "الحلول" المناسبة لهذا الإختيار، أي في تحديد الأساليب المتطابقة مع الموقف الأولي. اعتقادي أنّ أريج السخيري توّفقت في ذلك.

النتيجة كانت أن مزجت بصورة رائعة بين البحث في العلاقات العاطفية بين هؤلاء الشباب (يحتل فيه المنظور النسوي مكانة كبيرة) وفي الوقت ذاته اعتبار السياق الخلفي للموضوع أي الأفق الاجتماعي والثقافي الذي تنخرط فيه هذه العلاقات.

المفارقة أنّ الفضاء المفتوح تحوّل بفعل الإختيارات السينمائية إلى فضاء مغلق، إلى فضاء حميمي وشجرات التين إلى ديكور داخلي. عملية جميلة لطيفة تمكن المُشاهد من ولوج أروقة الحياة النفسية لهؤلاء الشباب وما يختلج في نفوسهم من مشاعر مختلفة، متقلبة وغامضة، غوص في عالم الرغبة المتوقّدة لشباب ولشابات يبحثون عن الحب. مرآة لقراءة ذواتنا، لوحة غنيّة زاخرة بالمشاعر الإنسانية الكونية في سياق تونسي شمالي غربي.

اللافت هو أن الفضاء الحميمي المغلق لا يفتقر الى نوافذ يمكن من خلالها ادراك الأبعاد الاجتماعية والثقافية دون أي تعسف أيديولوجي أو عقائدي. نوافذ تفتحها بنية درامية محكمة من خلال التعرض الموزون لما يشوب هذه العلاقات من شوائب لها علاقة بالسلطة والمال.

Encore une cinéaste prometteuse. A suivre